كان كل شيء يسير مثلما يتمنى " مازن " فأبوه قد سافر للإسكندرية منذ عدة أيام لقضاء عطلة صيفية قصيرة واصطحب معه زوجته و ابنته، و هكذا أصبح البيت خالياً، و سيعبث الابن كيفما يشاء، و كانت حجته في البقاء بالقاهرة هو أن يتابع التجديدات التي تحدث في الفيلا و لذلك فقد أقام بالملحق الصغير القديم الموجود بجوار حمام السباحة.
برغم كل هذا كان " مازن " يبدو متضايقاً في هذا اليوم و هو ينظر إلى ساعته و يراقب الوقت الذي تجاوز الحادية عشرة مساءً و يتطلع إلى الهاتف و هو يتمنى أن يسمع رناته، و بالفعل دق الجرس فرفع السماعة و أخبر المتحدث بأنه موافق على أي شيء و أن عليه أن يأتي و أنه سيقابله عند البوابة الحديدية للفيلا.
دقات قوية على باب الملحق القديم جعلت " مازن " ينتفض من مكانه و يفتح الباب و يقول " ما الذي أتي بك يا صالح ؟؟"، و لم يكن هذا الشخص سوى " صالح " السائق الخاص بالأسرة و كان قد أخذ أجازة لحين عودتهم من الإسكندرية و لم يذهب معهم تحت مبرر المرض، و بهدوء دخل " صالح " الملحق و هو يتأمله بنظرات ٍ ثاقبة و يخبر سيده بأنه جاء لينظم له أموره و يرى ما إذا كان بحاجة إلى شيء.
كان ضيق " مازن " شديد فهو لم يكن يريد أن يرى أحد في هذه الليلة بالذات، و لكنه لم يشأ أن يجعل " صالح " يشك في شيء، فأخبره بأن يتجه إلى المطبخ و يقوم بتحضير كوب من الشاي ثم ينصرف فوراً.
اتجه " مازن " إلى الخارج و هو ينظر إلى بوابة الفيلا الحديدية و فجأة انتفض من مكانه و توجه بسرعة نحوها و فتح البوابة بالمفتاح و دعا الشخص للدخول و اتجها سوياً نحو ركن شبه مظلم من حمام السباحة.
في هذا الوقت كان " صالح " يعد الشاي بينما كان قلبه يمتلئ حقداً على هذا الشاب الأرعن الذي لم يتجاوز الخامسة و العشرين من عمره و الذي خدع ابنته و تزوجها عرفياً منذ شهور و تنكر لها بعد ذلك بل و هددها بأن يفضحها إذا ما تحدثت أو أخبرت أحد و قام بأخذ ورقة الزواج العرفي و خبأها عنده، و رغم علم " صالح " بهذا الأمر من مكالمة تليفونية بين " مازن " و الابنة منذ عدة أيام، لكنه لم يفصح عن شيء سواء لابنته أو لـ " مازن " حتى لا تحدث كارثة و خصوصاً أن لديه أبناء سيضيع مستقبلهم إذا ما تفجرت هذه المشكلة، لذا فقد أعد العدة على أن يجد ورقة الزواج العرفي أولاً و في حال إن لم يجدها لأي سبب فلن يكون أمامه سوى أن يثأر لشرفه و ليكن ما يكن و لذلك أختار هذه الليلة نظراً لأن الأسرة مسافرة و ستعود بعد غد و لم يبق أمامه وقت.
و يبدو أن هذه الليلة الحالكة السواد سوف تحمل شخصاً آخر إلى الفيلا ، ففي أحدى سيارات الأجرة كانت تجلس " هالة " ابنة السائق " صالح " و هي في طريقها إلى حيث الفيلا الكبيرة و خصوصاً بعد أن قررت أن تنتقم لنفسها من هذا الشاب المارق و لهذا فقد قررت مماطلته و التظاهر بأنها ترغب في بقاء زواجهما عرفياً حتى لا يقوم بمقاطعتها و تمزيق الورقة، و استغلت خروج الأب للسفر إلى الإسكندرية كما قال لها، و قررت أن تذهب لمقابلة " مازن " دون ميعاد من أجل إنهاء كل شيء فإما أن تسترد الورقة العرفية و بقية من متعلقات كان يهددها بها و إما أن يكون القتل جزاؤه.
قام صالح بتحضير كوب الشاي و ذهب إلى غرفة " مازن " لكي يضعه على المنضدة و ما أن دخل حتى أبصر " مازن " و صديقه من خلال جزء صغير مفتوح من باب الشرفة الزجاجي الجرار، و هما يتحدثان في هذا الركن البعيد شبه المظلم بجوار حمام السباحة و وجدها فرصة رائعة لكي يبحث عن ورقة الزواج العرفي.
قام بحذر بالتوجه إلى الشرفة و أغلق أبوابها الزجاجية الجرارة بهدوء ثم راح يبحث عن الورقة و بدأ بالدولاب و الأدراج الخاصة به و الملابس، و بدأت الدقائق تمر و في أثناء توجهه للمكتب و الذي كان آخر الأهداف له، شعر بخطوات "مازن" تقترب من الغرفة و لذلك توجه بسرعة صوب الشرفة و خرج منها ثم أغلق أبوابها من الخارج.
دخل " مازن " مع صديقه و الذي كان يدعى " نادر " و ذلك بعد أن أحضرا من سيارة الصديق المزيد من الأشياء و بسرعة أغلق " مازن " باب الغرفة بالمفتاح و عندها أخرج الصديق من جيوبه محفظة بها العديد من سجائر البانجو و تذاكر الهيروين و وضعها على المكتب و على الفور قام " مازن " بالتوجه إلى المكتب و فتح الدرج و أخرج منه مبالغ نقدية قام بإعطائها لصديقه.
ارتسمت علامات الضيق على وجه " نادر " و هو يعد النقود و يخبره بأن المبالغ النقدية قليلة للغاية عن المتفق عليه و لكن " مازن " أخبره بأن هذه هي كل الأموال التي معه و أن عليه فقط أن يخبر التاجر بأنه سيعطيه الباقي في أقرب وقت.
ثار " نادر " بشدة و هو يرى في هذا التصرف خداع كبير من صديقه و أخبره بأن هذه الأموال لا تكفي نصف ما جاء به من مخدرات كما أخبره أيضاً بأن التاجر سوف يقتله لو لم يعد بالنقود و خصوصاً أن " مازن " مدين بأموال كبيرة للتاجر و هذا الأخير يُحمل " نادر " مسئولية هذه الديون.
أمام لامبالاة " مازن " حاول " نادر" أن يسترد محفظته و حاجاته و لكن " مازن " قام بمنعه و ضربه و محاولة التهجم عليه، و عندها قام " نادر " بالاشتباك معه و لكن " مازن " أخرج مسدس صغير و هدد به صديقه و أمام هذا التهديد رضخ الصديق و ترك المخدرات و الأموال .
كان من حسن الحظ أن الملحق أرضي و بالتالي لم يجد " صالح " صعوبة في أن يترك الشرفة بعد أن سمع هذه المشادة، و رأى أن الصديق سوف يغادر الملحق و بالتالي سيوجد " مازن " بمفرده و ستصبح الأمور كما رسمها هو، لذا فقد ترك الشرفة الخلفية و لف حول الملحق حتى يصل إلى الباب الخاص به فهو لا يريد جريمة أو أي شيء يفسد خطته.
و قبل أن يطرق الباب وجده يُفتح على مصراعيه و " مازن" يدفع " نادر " تحت تهديد المسدس و ما أن رأى " صالح " حتى أخبره بأن صديقه لص يحاول السرقة و هنا وجدها " صالح " فرصة ذهبية و قام باقتياد " نادر " إلى الخارج و هو يهدده بأنه لو رآه هنا فسوف يقتله.
عاد " مازن " إلى الملحق و طلب من" صالح " أن يغادر الفيلا لكن الأخير حاول إقناعه بأن يسافر إلى أسرته بالإسكندرية حتى لا يتعرض للتهديد و أمام رفض " مازن " لاقتراح السفر أصر " صالح " على البقاء معه هذه الليلة بحجة حمايته و وافق " مازن "، و دخل إلى غرفة نومه و أغلق الباب وراءه بالمفتاح و الترباس و توجه بسرعة صوب المخدرات و أخذ تذكرة هيروين و قام بشمها و ترنح قليلاً ثم سقط مغشياً عليه بجوار السرير .
جاءت اللحظة الحاسمة من وجهة نظر " هالة " بعد أن توقفت السيارة الأجرة أمام الفيلا و قفزت من منطقة منخفضة بالسور تواجه باب الملحق مباشرة ً اعتادت أن تدخلها عندما كانت تقابل الابن بالفيلا و توجهت صوب باب الملحق و أخرجت مفتاح كانت قد أخذته من " مازن " و فتحت الباب و ما كادت تتحرك عدة أمتار إلى الداخل حتى رأت والدها و هو يستعد للخروج و يخبر " مازن " بصوت ٍ عال بأنه معه هذه الليلة و يمكنه أن ينام بعمق و لا يقلق و عندها ارتبكت الفتاة و بسرعة دخلت إلى حمام صغير مجاور لها و اختبأت به و قلبها يرتجف، بينما خرج " صالح" من الملحق و توجه صوب حمام السباحة بعد أن أغلق بوابة الفيلا الحديدية بالمفتاح .
لم يكن الانتقام الذي تولد عند " نادر " بأقل منهما فهو سوف يلقى مصير بشع من تاجر المخدرات بسبب الأموال لذا فقد قرر أن يذهب أما ليحصل على حاجاته أو ليقتل " مازن "، و عليه فقد قفز من السور المواجه للشرفة الخلفية و قرر أن يدخل الملحق بعد أن يطمئن إلى أن السائق قد غادر و " مازن " قد نام بعمق.
أفاق " مازن " من غيبوبته القصيرة و بصعوبة رأى شخص يقوم بالعبث بأدراج المكتب و في ثوان قليلة قام من مكانه و توجه صوبه و حاول أن يأخذ المسدس الموجود على المكتب و لكن هذا الشخص أمسك بمزهرية كبيرة و ضرب " مازن " على رأسه في لحظة توتر ليسقط غارقاً في دمائه، و لم يصدق هذا الشخص نفسه و توجه نحو " مازن " و جلس بجواره و هو يهز رأسه لكنه اكتشف أنه مات ...!!! و عندها أنصرف والرعب يجتاحه و قفز من نقطة مظلمة بالسور حتى لا يراه أحد.
في صباح اليوم التالي كان عمال البناء موجودين بالفيلا و معهم المهندس الذي كان معتاداً على أن يأتي مع عماله فيجد " مازن " نائم فيقوم بإيقاظه برن جرس باب الملحق و عندما لا يجد استجابة يقوم بالطرق على شرفة الغرفة و لكنه لاحظ شيئاً غريبا للمرة الأولى و هو أن باب الملحق مفتوح فاقترب منه و دق الجرس و عندما لم يجد رد قام بالتوجه إلى الشرفة كالمعتاد و لكنه وجد باب الشرفة مفتوح للمرة الأولى أيضاً و ما كاد يطلق نظراته إلى الداخل حتى وجد " مازن " على الأرض فقام بالدخول بسرعة و هو يظن أنه فاقد للوعي و لكنه اكتشف أنه قتيل..!!! فقام بالتراجع و بسرعة توجه صوب باب الغرفة و فتح الباب بالمفتاح الموجود به و أزاح الترباس أيضاً و توجه صوب التليفون و ابلغ الشرطة.
كانت تحريات الشرطة المبدئية تشير إلى وجود عدد من الأشياء المريبة مثل الكثير من تذاكر الهيروين و البانجو على سطح المكتب و ميدالية مفاتيح بجوار المكتب بها مفتاح البوابة الحديدية الخاصة بالفيلا و قد قالت الأسرة بعد ذلك أنها تخص السائق " صالح "، و ورقة زواج عرفي بين مازن و ابنة السائق" كانت موجودة بدرج سري صغير و مغلق أسفل سطح المكتب، و سلسلة ذهبية صغيرة بها دلاية على شكل حرف " H " عند سور المنزل المواجه لباب الملحق و قد أكدت الأسرة أن هذه السلسلة ليست من مصوغاتها ....
و يبقى التساؤل ..??
من قتل مازن ??
صالح
أم
نادر
أم
هالة